فصل: المجمع الثاني‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **


*2*  المجمع الثاني‏:‏ وفيه وضعوا الأمانة

فبعث قسطنطين الملك إلى جميع البلدان، فجمع البتاركة، والأساقفة، فاجتمع في مدينة نيقية، بعد سنة وشهرين ألفان وثمانية وأربعون أسقفا‏.‏

فكانوا مختلفي الآراء، مختلفي الأديان‏:‏

فمنهم من يقول‏:‏ المسيح، ومريم إلهان من دون الله، وهم ‏(‏‏(‏المريمانية‏)‏‏)‏‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ المسيح من الأب، بمنزلة شعلة نار، تعلقت من شعلة نار، فلم ينقص الأولى، لإيقاد الثانية منها‏.‏

ومنهم من كان يقول‏:‏ لم تحبل مريم لتسعة أشهر، وإنما مر نور في بطن مريم، كما يمر الماء في الميزاب؛ لأن كلمة الله دخلت من أذنها، وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها، وهذه ‏(‏‏(‏مقالة الباد وأشياعه‏)‏‏)‏‏.‏

ومنهم من كان يقول‏:‏ أن المسيح إنسان خلق من اللاهوت، كواحد منا في جوهره، وأن ابتداء الابن من مريم، وأنه اصطفي ليكون مخلصا للجواهر إلا نسية، صحبته النعمة الإلهية، فحلت منه بالمحبة، والمشيئة‏.‏

فلذلك سمى ابن الله، ويقولون‏:‏ إن الله جوهر واحد، وأقنوم واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بالكلمة، ولا بروح القدس، وهذه ‏(‏‏(‏مقالة بولس وأشياعه‏)‏‏)‏‏.‏

ومنهم من كان يقول‏:‏ ثلاثة آلهة، لم تزل صالح، وطالح، وعدل، بينهما هذه ‏(‏‏(‏مقالة مرقيون وأشياعه‏)‏‏)‏‏.‏

ومنهم من كان يقول‏:‏ ربنا هو المسيح، وهي مقالة ‏(‏‏(‏ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن البطريق‏:‏ ولما سمع قسطنطين الملك مقالتهم، عجب من ذلك، وأخلى لهم دارا، وتقدم لهم بالإكرام، والضيافة، وأمرهم‏(‏ص 175‏)‏ أن يتناظروا فيما بينهم، لينظر من معه الحق، فيتبعه، فاتفق منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا على دين واحد، ورأى واحد، وناظروا بقية الأساقفة المختلفين، ففلجوا عليهم في المناظرة، وكان باقي الأساقفة مختلفي الآراء، والأديان، فصنع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفا مجلسا عظيما، وجلس في وسطه، وأخذ خاتمه، وسيفه، وقضيبه‏.‏

فدفع ذلك إليهم، وقال لهم‏:‏ قد سلطتكم اليوم على المملكة، فاصنعوا ما بدا لكم، وما ينبغي لكم، أن تضيعوا ما فيه قوام الدين، وصلاح الأمة، فباركوا على الملك، وقلدوه سيفه، وقالوا له‏:‏ أظهر دين النصرانية، وذب عنه، ووضعوا له أربعين كتابا، فيها السنن، والشرائع، وفيها ما يصلح أن يعمل به الأساقفة، وما يصلح للملك، أن يعمل بما فيها، وكان رئيس القوم، والمجمع، والمقدم فيه بترك الإسكندرية، وبترك أنطاكية، وأسقف بيت المقدس، ووجه بترك رومية من عنده رجلين، فاتفق الكل على لعن أريوس وأصحابه، ولعنوه، وكل من قال بمقالته‏.‏

ووضعوا ‏(‏‏(‏الأمانة‏)‏‏)‏ وقالوا‏:‏ إن الابن مولود من الأب، قبل كون الخلائق، وأن الابن من طبيعة الأب غير مخلوق واتفقوا على أن يكون فصح النصارى يوم الأحد، ليكون بعد فصح اليهود، وأن لا يكون فصح اليهود مع فصحهم، في يوم واحد، ومنعوا أن يكون للأسقف زوجة‏.‏

وذلك أن الأساقفة منذ وقت الحواريين إلى مجمع الثلاثمائة وثمانية عشر كان لهم نساء؛ لأنهم كانوا إذا صيروا واحدا أسقفا، وكانت له زوجة ثبتت معه، ولم تتنح عنه ما خلا البتاركة، فإنهم لم يكن لهم نساء، ولا كانوا أيضاً يصيرون أحدا له زوجة بتركا، قال‏:‏ وانصرفوا مكرمين، محظوظين، وذلك في سبعة عشر سنة من ملك قسطنطين الملك، ومكث بعد ذلك ثلاث سنين‏.‏

‏(‏‏(‏أحداها‏)‏‏)‏‏:‏ كسر الأصنام، وقتل من يعبدها‏.‏

‏(‏‏(‏والثانية‏)‏‏)‏‏:‏ أمر أن لا يثبت في الديوان، إلا أولاد النصارى، ويكونون هم الأمراء، والقواد‏.‏

‏(‏‏(‏والثالثة‏)‏‏)‏‏:‏ أن يقيم للناس جمعة الفصح، والجمعة التي بعدها، لا يعملون فيها عملا، ولا يكون فيها حرب، وتقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس، أن يطلب موضع المقبرة، والصليب ويبني الكنائس، ويبدأ ببناء القيامة، فقالت هيلانة أمه‏:‏ إنيّ نذرت أن أسير إلى بيت المقدس، وأطلب المواضع المقدسة، وأبنيها، فدفع إليها الملك أموالا جزيلة، وسارت مع أسقف بيت المقدس، فبنت كنيسة القيامة في موضع الصليب، وكنيسة قسطنطين‏.‏

ثم اجتمعوا بعد هذا مجمعا عظيما ببيت المقدس، وكان معهم رجل دسه بترك القسطنطينية، وجماعة معه، ليسألوا بترك الإسكندرية، وكان هذا الرجل لما رجع إلى الملك، أظهر أنه مخالف لأريوس، وكان يرى رأيه، ويقول بمقالته، فقام الرجل، وقال‏:‏

إن ‏(‏‏(‏أريوس‏)‏‏)‏لم يقل إن المسيح خلق الإنسان، ولكن قال به خلقت الأشياء، لأنه كلمة الله التي بها‏(‏ص 176‏)‏ خلقت السموات، والأرض، وإنما خلق الله الأشياء بكلمته، ولم تخلق الأشياء كلمته، كما قال المسيح في الإنجيل‏:‏ ‏(‏‏(‏كل بيده كان ومن دونه لم يكن شيء‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏به كانت الحياة، والحياة نور البشر‏)‏‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏العالم به يكون‏)‏‏)‏فأخبر أن الأشياء به تكونت‏.‏

قال ابن البطريق‏:‏ فهذه كانت مقالة أريوس، ولكن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا، تعدوا عليه، وحرفوه ظلما، وعدوانا، فرد عليه بترك الإسكندرية، وقال‏:‏ أما أريوس، فلم تكذب عليه الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا، ولا ظلموه، لأنه إنما قال‏:‏ الابن خالق الأشياء دون الأب، وإذا كانت الأشياء إنما خلقت بالابن، دون أن يكون الأب لها خالقا، فقد أعطى أنه ما خلق منها شيئا‏.‏

وفي ذلك تكذيب قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏الأب يخلق، وأنا أخلق‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أنا لم أعمل عمل أبي، فلا تصدقوني‏)‏‏)‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏كما أن الأب يحيي من يشاء، ويميته، كذلك الابن يحيي من يشاء، ويميته‏)‏‏)‏‏.‏

قالوا‏:‏ فدل على أنه يحيي، ويخلق، وفي هذا تكذيب لمن زعم أنه ليس بخالق، وإنما خلقت الأشياء به، دون أن يكون خالقا‏.‏

وأما قولك‏:‏ إن الأشياء كونت به، فإنا لما قلنا‏:‏ لا شك أن المسيح حي، فعال، وكان قد دل بقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏إني أفعل الخلق، والحياة‏)‏‏)‏كان قولك‏:‏ به كوّنت الأشياء، إنما هو راجع في المعنى إلى أنه كونها، وكانت به مكونة، ولو لم يكن ذلك لتناقض القولان‏.‏

قال‏:‏ وأما قول من قال من أصحاب أريوس‏:‏ أن الأب يريد الشيء فيكونه الابن، والإرادة للأب، والتكوين للابن، فإن ذلك يفسد أيضاّ، إذا كان الابن عنده مخلوقا، فقد صار حظ المخلوق في الخلق أوفى من حظ الخالق فيه، وذلك أن هذا أراد، وفعل، وذلك أراد، ولم يفعل، فهذا أوفر حظا في فعله من ذلك، ولابد لهذا أن يكون في فعله لما يريد ذلك، بمنزلة كل فاعل من الخلق لما يريد الخالق منه، ويكون حكمه كحكمه في الخير والاختيار، فإن كان مجبورا فلا شيء له في الفعل، وإن كان مختارا، فجائز أن يطاع، وجائز أن يعصى، وجائز أن يثاب، وجائز أن يعاقب‏.‏

وهذا أشنع في القول، ورد عليه أيضاّ وقال‏:‏ إن كان الخالق إنما خلق خلقه بمخلوق، والمخلوق غير الخالق بلا شك، فقد زعمتم أن الخالق يفعل بغيره، والفاعل بغيره محتاج إلى متمم ليفعل به، إذ كان لا يتم له الفعل إلّا به، والمحتاج إلى غيره منقوص، والخالق متعال عن هذا كله‏.‏

قال‏:‏ فلما دحض بترك الإسكندرية، حجج أولئك المخالفين، وظهر لمن حضر بطلان قولهم، وتحيروا، وخجلوا، فوثبوا على بترك الإسكندرية، فضربوه حتى كاد يموت، فخلصه من أيديهم ابن أخت قسطنطين، وهرب بترك الإسكندرية، وصار إلى بيت المقدس، من غير حضور أحد من الأساقفة ثم أصلح دهن‏(‏ص 177‏)‏الميرون، وقدس الكنائس، ومسحها بدهن الميرون، وسار إلى الملك، فأعلمه الخبر، فصرفه إلى الإسكندرية‏.‏

قال ابن البطريق‏:‏ وأمر الملك أن لا يسكن يهودي ببيت المقدس، ولا يجوز بها، ومن لم يتنصر قتل، فظهر دين النصرانية، وتنصر من اليهود خلق، فقيل للملك‏:‏ إن اليهود يتنصرون من خوف القتل، وهم على دينهم، فقال‏:‏ كيف لنا أن نعلم ذلك منهم‏؟‏ فقال له بولس البترك‏:‏

إن الخنزير في التوراة حرام، واليهود لا يأكلون لحم الخنزير، فأمر أن تذبح الخنازير، ويطبخ لحومها، ويطعم منها، فمن لم يأكل منه، علم أنه مقيم على دين اليهودية، فقال الملك‏:‏ إذا كان الخنزير في التوراة حراما، فكيف يحل لنا أن نأكله، ونطعمه الناس‏؟‏ فقال له بولس‏:‏ إن سيدنا المسيح قد أبطل كل ما في التوراة، وجاء بنواميس أخر، وبتوراة جديدة، وهو الإنجيل، وفي إنجيله‏:‏ أن كل ما يدخل البطن فليس بحرام، ولا نجس، وإنما ينجس الإنسان ما يخرج من فيه‏.‏

وقال يونس‏:‏ أن بطرس رئيس الحواريين، بينما هو يصلي في ست ساعات من النهار، وقع عليه سبات، فنظر إلى السماء قد تفتحت، وإذا زاد قد نزل من السماء، حتى بلغ الأرض، وفيه كل ذي أربع قوائم على الأرض، من السباع، والدواب، وغير ذلك من طير السماء، وسمع صوتا يقول له‏:‏ يا بطرس قم، فاذبح، وكل، فقال بطرس‏:‏ يا رب ما أكلت شيئا نجسا قط، ولا دنسا قط، فجاء صوت ثان، كل ما طهره الله فليس بنجس‏.‏

وفي نسخة أخرى‏:‏ ما طهره الله فلا تنجسه أنت، ثم جاءه الصوت بهذا ثلاث مرات، ثم إن الزاد ارتفع إلى السماء، فتعجب بطرس، وتحير فيما بينه وبين نفسه، فأمر الملك أن تذبح الخنازير، وتطبخ لحومها، وتقطع صغارا، وتصير على أبواب الكنائس، في كل مملكته يوم أحد الفصح، وكل من خرج من الكنيسة، يلقم لقمة من لحم الخنازير، فمن لم يأكل منه، يقتل فقتل لأجل ذلك خلق كثير، ثم هلك قسطنطين‏.‏

وقام بعده أكبر أولاده، واسمه قسطنطين، وفي أيامه اجتمع أصحاب أريوس، ومن قال بمقالته إليه، فحسنوا لهم دينهم، ومقالتهم، وقالوا‏:‏ إن الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا، الذين كانوا اجتمعوا بنيقية، قد أخطأوا، وحادوا عن الحق، في قولهم‏:‏ إن الابن متفق مع الأب في الجوهر‏.‏

فأمر أن لا يقال هذا‏:‏ فإنه خطأ، فعزم الملك على فعله، فكتب إليه أسقف بيت المقدس‏:‏ أن لا يقبل قول أصحاب أريوس، فإنهم حائدون عن الحق، وكفار، وقد لعنهم الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا، ولعنوا كل من يقول بمقالتهم، فقبل قوله‏.‏

قال ابن البطريق‏:‏ وفي ذلك الوقت، أعلنت مقالة أريوس على قسطنطينية، وأنطاكية، والإسكندرية، وفي ثاني سنة من ملك قسطنطين هذا، صار على أنطاكية بترك أريوسي، ثم بعده آخر مثله، قال‏:‏

وأما‏(‏ص 178‏)‏ أهل مصر، والإسكندرية، وكان أكثرهم أريوسيين، ومانيين، فغلبوا على كنائس مصر، فأخذوها، ووثبوا على بترك الإسكندرية، ليقتلوه، فهرب منهم، واستخفى، ثم ذكر جماعة من البتاركة، والأساقفة من طوائف النصارى، وما جرى لهم مع بعضهم بعضا، وما تعصبت به كل طائقة لبتركها، حتى قتل بعضهم بعضا‏.‏

واختلف النصارى أشد الاختلاف، وكثرت مقالاتهم، واجتمعوا عدة مجامع، كل مجمع يلعن فيه بعضهم بعضا، ونحن نذكر بعض مجامعهم بعد هذين المجمعين‏.‏

*2 *المجمع الثالث

فكان لهم مجمع ثالث، بعد ثمان وخمسين سنة من المجمع الأول بنيقية، فاجتمع الوزراء، والقواد إلى الملك، وقالوا‏:‏ إن مقالة الناس قد فسدت، وغلبت عليهم مقالة أريوس، ومقدونيس، فاكتب إلى جميع الأساقفة، والبتاركة، أن يجتمعوا، ويوضحوا دين النصرانية، فكتب الملك إلى سائر بلاده، فاجتمع في قسطنطينية مائة وخمسون أسقفا، فنظروا، وبحثوا في مقالة أريوس، فوجدوها أن روح القدس مخلوق، ومصنوع، ليس بإله، فقال بترك الإسكندرية‏:‏ ليس روح القدس عندنا، غير روح الله، وليس روح الله غير حياته‏.‏

فإذا قلنا‏:‏ أن روح الله مخلوق، فقد قلنا‏:‏ إن حياته مخلوقة، وإذا قلنا‏:‏ أن حياته مخلوقة، فقد جعلناه غير حي، وذلك كفر به‏.‏ فلعنوا جميعهم من يقول بهذه المقالة، ولعنوا جماعة من أساقفتهم، وبتاركتهم، كانوا يقولون بمقالات أخر لم يرتضوها، وبينوا أن روح القدس خالق غير مخلوق، إله حق، من إله حق، من طبيعة الأب والابن ‏(‏‏(‏ونؤمن بروح القدس، الرب، المحيي، الذي من الأب منبثق، الذي مع الأب، والابن وهو مسجود، وممجد‏)‏‏)‏

وكان في تلك الأمانة، ‏(‏‏(‏وبروح القدس‏)‏‏)‏ فقط، وبينوا أن الابن والأب، وروح القدس، ثلاثة أقانيم، وثلاث وجوه، وثلاث خواص، وأنها وحدة في تثليث، وتثليث في وحدة، وبينوا أن جسد المسيح بنفس ناطقة عقلية، فأنفض هذا الجمع، وقد لعنوا فيه كثيرا من أساقفتهم، وأشياعهم‏.‏‏.‏‏.‏

*2 * المجمع الرابع

ثم بعد إحدى وخمسين سنة من هذا المجمع، كان لهم مجمع رابع على نسطورس، وكان رأيه‏:‏ أن مريم ليست بوالدة الإله على الحقيقة، ولذلك كان اثنان‏:‏

أحدهما‏:‏ الإله، الذي هو موجود من الأب‏.‏ والآخر‏:‏ إنسان، وهو الموجود من مريم، وأن هذا الإنسان الذي نقول أنه المسيح، متوحد مع الابن الإله، ويقال‏:‏ له إله، وابن الإله ليس‏(‏ص 179‏)‏ على الحقيقة، ولكن موهبة، واتفاق الاسمين على طريق الكرامة‏.‏

فبلغ ذلك بتاركة سائر البلاد، فجرت بينهم مراسلات، واتفقوا على تخطئته‏.‏

واجتمع منهم مائتا أسقف في مدينة أفسيس، وأرسلوا إليه للمناظرة، فامتنع ثلاثا مرات، فأجمعوا على لعنه فلعنوه، ونفوه، وبينوا أن مريم ولدت إلها، وأن المسيح إله حق، من إله حق، وهو إنسان، وله طبيعتان، فلما لعنوا نسطورس، تعصب له بترك أنطاكية، فجمع الأساقفة، فلم يزل الملك حتى الذين قدموا معه، وناظرهم، وقطعهم، فتقاتلوا، وتلاعنوا، وجرى بينهم شر، فتفاقم أمرهم‏.‏

ثم أصلح بينهم، فكتب أولئك صحيفة أن مريم القديسة، ولدت إلها، وهو ربنا يسوع المسيح، الذي هو مع الله في الطبيعة، ومع الناس في الناسوت، وأقروا بطبيعتين، وبوجه واحد، وأقنوم واحد، وأنفذوا لعن نسطورس، فلما لعنوه ونفى، سار إلى مصر،

وأقام في أخميم سبع سنين، ومات ودفن بها، وماتت مقالته إلى أن أحياها ابن صرما، مطران نصيبين، وبثها في بلاد المشرق، فأكثر نصارى المشرق، والعراق، ونسطورية، فانفض ذلك المجمع الرابع أيضاً، وقد أطبقوا على لعن نسطوري، وأشياعه، ومن قال بمقالته‏.‏

*2 * المجمع الخامس

ثم كان لهم بعد هذا المجمع مجمع خامس، وذلك أنه كان بالقسطنطينية طبيب راهب، يقال له‏:‏ أوطيسوس، يقول‏:‏ إن جسد المسيح ليس هو مع أجسادنا بالطبيعة، وأن المسيح قبل التجسد، من طبيعتين، وبعد التجسد طبيعة واحدة، وهو أول من أحدث هذه المقالة، وهي مقالة ‏(‏‏(‏اليعقوبية‏)‏‏)‏‏.‏

فرحل إليه بعض الأساقفة، فناظره، وقطعه، ودحض حجته، ثم صار إلى قسطنطينية، فأخبر بتركها بالمناظرة، وبانقطاعه، فأرسل بترك القسطنطينية إليه فاستحضره، وجمع جمعا عظيماً، وناظره،

فقال أوطيسوس‏:‏ إن قلنا أن المسيح طبيعتين، فقد قلنا‏:‏ بقول نسطورس، ولكنا نقول‏:‏ إن المسيح طبيعة واحدة، وأقنوم واحد، لأنه من طبيعتين كانتا قبل التجسد، فلما قبل التجسد زالت عنه، وصار طبيعة وأقنوما واحدا، فقال له بترك القسطنطينية‏:‏

إن كان المسيح طبيعة واحدة، فالطبيعة القديمة، هي الطبيعة المحدثة، وإن كان القديم هو المحدث، فالذي لم يزل، هو الذي لم يكن، ولو جاز أن يكون القديم هو المحدث، لكان القائم هو القاعد، والحار هو البارد، فأبي أن يرجع عن مقالته، فلعنوه، فاستعدي إلى الملك، وزعم أنهم ظلموه، وسأله أن يكتب إلى جميع البتاركة، للمناظرة، فاستحضر الملك البتاركة، والأساقفة من سائر البلاد، إلى مدينة أفسيس‏.‏

فثبت بترك الإسكندرية ‏(‏ص 180‏)‏ مقالة أوطيسوس، وقطع بتارك القسطنطينية، وأنطاكية، وبيت المقدس، وسائر البتاركة والأساقفة، وكتب إلى بترك رومية، وإلى جماعة الكهنة، فحرمهم ومنعهم من القربان، إن لم يقبلوا مقالة أوطيسوس، ففسدت الأمانة، وصارت مقالة أوطيسوس خاصة بمصر، والإسكندرية، وهو مذهب اليعقوبية، فافترق هذا المجمع الخامس، وكل فريق يلعن الآخر، ويحرمه، ويبرأ من مقالته‏.‏‏.‏‏.‏

*2 * المجمع السادس

فصل ثم كان لهم بعد هذا ‏(‏‏(‏مجمع سادس‏)‏‏)‏، في مدينة حلقدون، فإنه لما مات الملك، ولي بعده مرقيون، فاجتمع إليه الأساقفة من سائر البلاد، فأعلموه ما كان من ظلم ذلك المجمع، وقلة الإنصاف وأن مقالة أوطيسوس قد غلبت على الناس، وأفسدت دين النصرانية‏.‏

فأمر الملك باستحضار سائر البتاركة، والمطارنة، والأساقفة، إلى مدينة حلقدون، فاجتمع فيها ستمائة وثلاثون أسقفاً، فنظروا في مقالة أوطيسوس، وبترك الإسكندرية، الذي قطع جميع البتاركة، فأفسد الجميع مقالتهما، ولعنوهما، وأثبتوا‏:‏ أن المسيح إله، وإنسان في المكان مع الله، باللاهوت، وفي المكان معنا بالناسوت، يعرف بطبيعتين، تام باللاهوت، وتام بالناسوت، ومسيح واحد، وثبتوا أقوال الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا، وقبلوا قولهم، بأن الابن مع الله في المكان نور، من نور إله حق، من إله حق، ولعنوا أريوس، وقالوا‏:‏

إن روح القدس إله، وأن الأب والابن وروح القدس واحد، بطبيعة واحدة، وأقانيم ثلاثة، وثبتوا قول المجمع الثالث في مدينة أفسيس، أعني المائتي أسقف على نسطورس، وقالوا‏:‏

إن مريم العذراء ولدت إلها، ربنا اليسوع المسيح، الذي هو مع الله بالطبيعة، ومع الناسوت بالطبيعة، وشهدوا أن للمسيح طبيعتين، وأقنوما واحدا، ولعنوا نسطورس، وبترك الإسكندرية، ولعنوا المجمع الثاني، الذي كان بأفسيس، ثم المجمع الثالث، المائتي أسقف بمدينة أفسيس أول مرة‏.‏

ولعنوا نسطورس، وبين نسطورس إلى مجمع حلقدون أحد وعشرون سنة، فانفض هذا المجمع، وقد لعنوا من مقدميهم، وأساقفتهم، من ذكرنا، وكفروهم، وتبرؤا منهم، ومن قال مقالاتهم‏.‏‏.‏

*2 * المجمع السابع

ثم كان لهم بعد هذا المجمع، ‏(‏‏(‏مجمع سابع‏)‏‏)‏في أيام أنسطاس الملك، وذلك أن سورس القسطنطيني، كان على رأى أوطيسوس، فجاء إلى الملك فقال‏:‏ إن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين، قد أخطأوا في لعن أوطسيوس، وبترك الإسكندرية، والدين الصحيح ما قالاه، فلا يقبل دين من سواهما، ولكن اكتب إلى جميع عمالك، أن يلعنوا الستمائة وثلاثين، ويأخذوا الناس بطبيعة واحدة، وأقنوم واحد، فأجابه ‏(‏ص 181‏)‏ الملك إلى ذلك‏.‏

فلما بلغ ذلك إيليا بترك بيت المقدس، جمع الرهبان، ولعنوا أنسطاس الملك، وسورس، ومن يقول بمقالتهما، فبلغ ذلك أنسطاس، ونفاه إلى أيلة، وبعث يوحنا، بتركا على بيت المقدس، لأن يوحنا كان قد ضمن له أن يلعن المجمع الحلقدوني الستمائة وثلاثين‏.‏

فلما قدم إلى بيت المقدس، اجتمع بالرهبان، وقالوا‏:‏ إياك أن تقبل من سورس، ولكن قاتل عن المجمع الحلقدوني، ونحن معك، فضمن لهم ذلك، وخالف أمر الملك، فبلغ ذلك الملك، فأرسل قائدا، وأمره أن يأخذ يوحنا بطرح المجمع الحلقدوني، فإن يفعل ينفيه عن الكرسي‏.‏

فقدم القائد، وطرح يوحنا في الحبس، فصار إليه الرهبان في الحبس، وأشاروا عليه بأن يضمن للقائد أن يفعل ذلك، فإذا حضر فليقر بلعنة من لعنة الرهبان، ففعل ذلك، واجتمع الرهبان، وكانوا عشرة آلاف راهب، ومعهم مدرس، وسابا، ورؤساء الديرات، فلعنوا أوطسيوس، وسورس، ومن لا يقبل المجمع الحلقدوني‏.‏

وفزع رسول الملك من الرهبان، وبلغ ذلك الملك، فهم بنفي يوحنا، فاجتمع الرهبان، والأساقفة، فكتبوا إلى أنسطاس الملك، أنهم لا يقبلون مقالة سورس، ولا أحد من المخالفين، ولو أهريقت دماؤهم، وسألوه أن يكف أذاه عنهم، وكتب بترك رومية إلى الملك، يقبح فعله، ويلعنه، فانفض هذا المجمع أيضاً، وقد تلاعنت فيه هذه الجموع، على ما وصفنا‏!‏‏!‏

وكان لسورس تلميذ، يقال له‏:‏ يعقوب، يقول بمقالة سورس، وكان يسمى البرادعي، وإليه تنسب ‏(‏‏(‏اليعاقبة‏)‏‏)‏ فأفسد أمانة النصارى

ثم مات أنسطاس، وولي قسطنطين، فرد كل من نفاه أنسطاس الملك إلى موضعه، واجتمع الرهبان، وأظهروا كتاب الملك، وعيدوا عيدا حسنا، بزعمهم، وأثبتوا المجمع الحلقدوني بالستمائة وثلاثين أسقفاً، ثم ولي ملك آخر، وكانت اليعقوبية قد غلبوا على الإسكندرية، وقتلوا بتركا لهم، يقال له بولس، كان ملكيا، فأرسل القائد ومعه عسكر عظيم إلى الإسكندرية، فدخل الكنيسة في ثياب البترك، وتقدم، وقدس، فرموه بالحجارة، حتى كادوا يقتلونه، فانصرف‏.‏

ثم أظهر لهم من بعد ثلاثة أيام، أنه قد أتاه كتاب الملك، وضرب الجرس، ليجتمع الناس يوم الأحد في الكنيسة، فلم يبق أحد بالإسكندرية، حتى حضر لسماع كتاب الملك، وقد جعل بينه وبين جنده علامة، إذا رجعتم إلى الحق وتركتم مقالة اليعاقبة، وإلا لن تأمنوا أن يرسل إليكم الملك من يسفك دمائكم‏.‏

فرموه بالحجارة حتى خاف على نفسه أن يقتل، فأظهر العلامة، فوضعوا السيف على كل من في الكنيسة، فقتل داخلها وخارجها أمم لا تحصى كثرة، حتى خاض الجند في الدماء،‏.‏ وهرب منهم خلق كثير، وظهرت ‏(‏‏(‏مقالة الملكية‏)‏‏)‏‏.‏‏(‏ص 182‏)‏